فصل: الْقِرَاءَةُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ وَالْحَدِيثُ فِي الطَّوَافِ:

مساءً 2 :59
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.تَفْسِيرُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الطَّوَافِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ مَكَّةَ فَابْتَدَأَ الطَّوَافَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ مَكَّةَ، كَيْفَ يَطُوفُ أَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ أَوْ يَبْدَأُ فَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الَّذِي يَدْخُلُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ يَبْتَدِئُ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَطُوفُ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ كَبَّرَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَلَا يَسْتَلِمُهُ كَمَا مَرَّ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، قُلْت: فَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِلَامَ أَيَتْرُكُ التَّكْبِيرَ أَيْضًا كَمَا تَرَكَ الِاسْتِلَامَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْعُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا حَاذَاهُ كَبَّرَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَوْجَبَهُ مَالِكٌ الَّذِي يَصِلُ بِهِ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ مَالِكٌ بِأَنْ يَسْتَلِمَ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ فَيُكَبِّرَ، قُلْت: أَرَأَيْت مَا طَافَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ أَيَبْتَدِئُ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنِ فِي كُلِّ طَوَافٍ يَطُوفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَلِمَ فِي ابْتِدَاءِ طَوَافِهِ إلَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَكِنْ لَا يَدَعُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فِي كُلِّ طَوَافٍ يَطُوفُهُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ.
قُلْت: فَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ أَيَسْتَلِمُهُ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ أَوْ التَّطَوُّعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، قُلْت: أَفَيُكَبِّرُ إنْ تَرَكَ الِاسْتِلَامَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُكَبِّرُ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إذَا تَرَكَ اسْتِلَامَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ هَذَا الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك فَأَنْكَرَهُ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَفَيَزِيدُ عَلَى التَّكْبِيرِ أَمْ لَا عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ؟
قَالَ: لَا يَزِيدُ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ وَضَعَ الْخَدَّيْنِ وَالْجَبْهَةَ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؟
قَالَ: أَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَقَالَ هَذَا بِدْعَةٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ فِي الْحَجَرِ أَيُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَوَافٍ، قُلْت: فَيُلْغِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرُّكْنِ هَلْ يُسَلِّمُهُ مَنْ لَيْسَ فِي طَوَافٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَرْجِعُ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ يَرْجِعُ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَيَرَى عَلَيْهِ مَالِكٌ لِذَلِكَ شَيْئًا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَمَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَنْزِلِهِ، أَيَرْجِعُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ كُلَّمَا أَرَادَ الْخُرُوجَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَمَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَسْتَلِمَهُ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت، لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيُّ مَوْضِعٍ يَقِفُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصْعَدَ إلَى أَعْلَاهَا فِي مَوْضِعٍ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْهُ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: إذَا دَعَا، أَيَقْعُدُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ مَالِكٌ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَالنِّسَاءُ؟
قَالَ: مَا سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهُنَّ إلَّا كَمَا أَخْبَرْتُك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ النِّسَاءَ مِثْلَ الرِّجَالِ أَنَّهُنَّ يَقِفْنَ قِيَامًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِنَّ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ، إلَّا أَنَّهُنَّ إنَّمَا يَقِفْنَ فِي أَصْلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي أَسْفَلِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ صُعُودٌ عَلَيْهِمَا، إلَّا أَنْ يَخْلُوَ فَيَصْعَدْنَ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَذْكُرُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دُعَاءً مَوْقُوتًا؟
قَالَ: لَا، قُلْت: فَهَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مِقْدَارَ كَمْ يَدْعُو عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قَالَ: رَأَيْته كَأَنَّهُ يَسْتَحِبُّ الْمُكْثَ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِمَا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُرْفَعَ الْأَيْدِي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: رَفْعًا خَفِيفًا وَلَا يَمُدُّ يَدَيْهِ رَافِعًا.
قَالَ: وَاَلَّذِي رَأَيْت أَنَّ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ أَنْ يَتْرُكَ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ.
قَالَ: إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كَانَ فَرَفْعًا خَفِيفًا.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ: إنْ رَفَعَ أَيْضًا فَرَفْعًا خَفِيفًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُهُ فِيهِ وَلَا أَرَى أَنْ يَفْعَلَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِمَامِ إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي مِثْلِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ مِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ؟
قَالَ: فَلْيَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إذَا أَمَرَهُمْ.
قَالَ: وَلْيَرْفَعُوا رَفْعًا خَفِيفًا.
قَالَ: وَلْيَجْعَلُوا ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَبُطُونَهَا إلَى الْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ رَأَى مَالِكًا فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَدَعَا الْإِمَامُ فِي أَمْرٍ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَرَأَى مَالِكًا فَعَلَ ذَلِكَ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَنَصَبَهُمَا وَجَعَلَ ظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ إذَا انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يَمُرَّ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ.
قَالَ: وَأَكْرَهُ لِلنَّاسِ هَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَ يُقَدِّمُونَ أَبْنِيَتَهُمْ إلَى مِنًى قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَأَكْرَهُ لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَتَقَدَّمُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى.
قَالَ: وَأَكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ أَوْ يُقَدِّمُوا أَبْنِيَتَهُمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ الْبُنْيَانَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بِمِنًى، قَالَ وَمَا كَانَ بِعَرَفَةَ مَسْجِدٌ مُنْذُ كَانَتْ عَرَفَةُ، وَإِنَّمَا أُحْدِثَ مَسْجِدُهَا بَعْدَ بَنِي هَاشِمٍ بِعَشْرِ سِنِينَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ بُنْيَانَ مَسْجِدِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ.
قَالَ فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَالْإِمَامُ أَيْنَ كَانَ يَخْطُبُ؟
قَالَ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْطُبُ فِيهِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فِيهِ، كَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَى شَيْءٍ وَيَخْطُبُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَتَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَدِّمَ النَّاسُ أَثْقَالَهُمْ مِنْ مِنًى أَوْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثِقَلَهُ مِنْ مِنًى؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: كَيْفَ الْأَبْطَحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا رَجَعَ النَّاسُ مِنْ مِنًى، وَأَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ الْأَبْطَحُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ إذَا رَجَعَ النَّاسُ مِنْ مِنًى نَزَلُوا الْأَبْطَحَ فَصَلَّوْا بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ أَدْرَكَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأَبْطَحَ فَيُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَتَى يَدْخُلُ مَكَّةَ هَذَا الَّذِي صَلَّى بِالْأَبْطَحِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَمْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ ثُمَّ يَدْخُلُ.
قَالَ: وَأَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَأَيْنَ الْأَبْطَحُ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَيْنَ هُوَ، وَلَكِنَّ الْأَبْطَحَ مَعْرُوفٌ هُوَ أَبْطَحُ مَكَّةَ حَيْثُ الْمَقْبَرَةِ.
قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ، أَنْ لَا يَدَعَ أَنْ يَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ وَكَانَ يُوَسِّعُ لِمَنْ لَا يَقْتَدِي بِهِ إنْ دَخَلَ مَكَّةَ تَرْكَ النُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ.
قَالَ: وَكَانَ يُفْتِي بِهِ سِرًّا وَأَمَّا فِي الْعَلَانِيَةِ فَكَانَ يُفْتِي بِالنُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا وَهِيَ السُّنَّةُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا مُرَاهِقًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ خَوْفًا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ، فَمَضَى إلَى عَرَفَاتٍ وَفُرِضَ الْحَجُّ فَرَمَى الْجَمْرَةَ، أَيَحْلِقُ رَأْسَهُ أَمْ يُؤَخِّرُ حِلَاقَ رَأْسِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ لِمَكَانِ عُمْرَتِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذَا قَارِنٌ وَلْيَحْلِقْ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت رَجُلًا دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَنَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى أَثَرِ الطَّوَافِ حَتَّى انْصَرَفَ إلَى بِلَادِهِ وَوَطِئَ النِّسَاءَ؟
قَالَ: يَرْكَعُهُمَا إذَا ذَكَرَهُمَا وَلْيُهْدِ هَدْيًا، قُلْت: فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إلَّا سِتًّا كَيْفَ يَفْعَلُ؟
قَالَ: يُعِيدُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَيَقْضِي عُمْرَتَهُ وَيُهْدِي، قُلْت: فَإِنْ كَانَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى، ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَجَّ فَلَمَّا كَانَ بِعَرَفَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إلَّا سِتًّا كَيْفَ يَفْعَلُ؟
قَالَ: هَذَا قَارِنٌ يَعْمَلُ عَمَلَ الْقَارِنِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْحِلَاقَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَلَكِنْ أَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِقَ بِمِنًى.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي تَضِلُّ بَدَنَتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ: إنَّهُ يُؤَخِّرُ حِلَاقَ رَأْسِهِ وَيَطْلُبُهَا، قُلْت: أَنَهَارُهُ كُلُّهُ وَيَوْمُهُ كَذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِنْ أَصَابَهَا وَإِلَّا حَلَقَ رَأْسَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَدَنَةُ مِمَّا عَلَيْهِ بَدَلُهَا أَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا بَدَلَ عَلَيْهِ أَذَلِكَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يُحَرِّمَانِ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُهْدِ، يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مَنْ لَمْ يُهْدِ مِنْ وَطْءِ النِّسَاءِ وَالْإِفَاضَة وَحَلْق رَأْسِهِ وَلُبْس الثِّيَابِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَا وَقَفَهُ غَيْرِي مِنْ الْهَدْيِ أَيُجْزِئُنِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ إلَّا مَا وَقَفْته أَنْتَ لِنَفْسِك.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ تُوقَفُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَهَلْ يُبَاتُ مَا وَقَفَ بِهِ مِنْ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟
قَالَ: إنْ بَاتَ بِهِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فَهَلْ يَخْرُجُ النَّاسُ بِالْهَدْيِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا يَخْرُجُونَ إلَى مِنًى ثُمَّ يَدْفَعُونَ بِهَا كَمَا يَدْفَعُونَ إلَى عَرَفَاتٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَقِفَ بِهَا بِعَرَفَةَ، وَلَا يَدْفَعُ بِهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
قَالَ: فَإِنْ دَفَعَ بِهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَقْفٍ.
قُلْت: فَإِنْ عَادَ بِهَا فَوَقَفَهَا قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ بِعَرَفَةَ أَيَكُونُ هَذَا وَقْفًا؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ عِنْدِي وَقْفٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ عَرَفَةَ.
قَالَ: إنْ أَدْرَكَ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ، إلَّا أَنَّ الْهَدْيَ يُسَاقُ إلَى مَكَّةَ فَيُنْحَرُ بِهَا وَلَا يُنْحَرُ بِمِنًى.
قُلْت: أَرَأَيْت مَا اشْتَرَى مِنْ الْهَدْيِ بِعَرَفَاتٍ فَوَقَفَهُ بِهَا أَلَيْسَ يُجْزِئُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مِنْ أَيْنَ يَسْتَحِبُّ مَالِكٌ لِلْمُعْتَمِرِينَ وَأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ؟
قَالَ: مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَتَى يُقَلَّدُ الْهَدْيُ وَيُشْعَرُ وَيُجَلَّلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ صَاحِبُهُ يُقَلِّدُ وَيُشْعِرُ وَيُجَلِّلُ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يُحْرِمُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَكِنْ إذَا خَرَجَ فَرَكِبَ رَاحِلَتهُ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ لَبَّى وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَسِيرَ وَيَنْوِيَ بِالتَّلْبِيَةِ الْإِحْرَامَ إنْ حَجٌّ فَحَجٌّ، وَإِنْ عُمْرَةٌ فَعُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا كَانَ قَارِنًا فَوَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ.
يَبْدَأُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجَّةِ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْأَلْهُ أَيَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ أَمْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ الْعُمْرَةَ ثُمَّ الْحَجَّةَ إذَا هُوَ لَبَّى، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: النِّيَّةُ تَكْفِي فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يُسَمِّي عُمْرَةً وَلَا حَجَّةً.
قَالَ: وَأَرَى فِي الْقَارِنِ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ تُجْزِئُهُ وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ فِي نِيَّتِهِ قَبْلَ الْحَجِّ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا فَحِينَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَيَتَوَجَّهُ لِلذَّهَابِ فَيُحْرِمُ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَظْهَرَ بِالْبَيْدَاءِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ قَلَّدَ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّهَابَ مَعَ هَدْيِهِ إلَى مَكَّةَ، أَيَكُونُ بِالتَّقْلِيدِ أَوْ بِالْإِشْعَارِ أَوْ بِالتَّجْلِيلِ مُحْرِمًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا حَتَّى يُحْرِمُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقَلِّدُ ثُمَّ يُشْعِرُ ثُمَّ يُجَلِّلُ فِي رَأْيِي وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ أَوْ لَبَّدَ أَوْ عَقَدَ، أَيَأْمُرُهُ مَالِكٌ بِالْحِلَاقِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: لِمَ أَمَرَهُمْ مَالِكٌ بِالْحِلَاقِ؟
قَالَ: لِلسُّنَّةِ.
قُلْت: وَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَكُمْ وَلَا تُشُبِّهُوا بِالتَّلْبِيدِ؟
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِيمَنْ لَبَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلَاقُ، فَقِيلَ لَهُ مَنْ عَقَصَ أَوْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ وَلَا تُشُبِّهُوا أَيْ لَا تُشُبِّهُوا عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مِثْلُ التَّلْبِيدِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مَالِكٌ كَمْ تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ مِنْ شَعْرِهَا فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، الشَّيْءَ الْقَلِيلَ.
قَالَ: وَلْتَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِ رَأْسِهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَخَذَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ يَكْفِيهَا، قُلْت: فَإِنْ أَخَذَتْ مِنْ بَعْضِ الْقُرُونِ وَأَبْقَتْ بَعْضَهَا أَيُجْزِئُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَصَّرَ مِنْ بَعْضِ شَعْرِهِ وَأَبْقَى بَعْضَهُ أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ لَا، قُلْت: فَإِنْ قَصَّرَ أَوْ قَصَّرَتْ بَعْضَهَا وَأَبْقَيَا بَعْضًا ثُمَّ جَامَعَهَا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَيْهِمَا الْهَدْيَ.
قُلْت: فَكَمْ حَدُّ مَا يُقَصِّرُ الرَّجُلُ مِنْ شَعْرِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ حَدًّا، وَمَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبًا؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَحِبُّ تَرْكُهُ، وَكَانَ يَقُولُ إنْ ذَكَرَهُ وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَلْيَرْجِعْ، وَيُذْكَرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الْوَدَاعِ.
قُلْت: فَهَلْ حَدَّ لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ؟
قَالَ: لَا لَمْ يَحُدَّ لَنَا مَالِكٌ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَلَّ مِنْهَا بِمَكَّةَ أَوْ بِبِلَادِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ حَرَامًا كَمَا كَانَ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْسُكَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يُطْعِمَ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ وَتَطَيَّبَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ؟
قَالَ: عَلَيْهِ فِي الصَّيْدِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ لِعُمْرَتِهِ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ مِنْهَا، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ وَطِئَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوْ أَصَابَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟
قَالَ: أَمَّا الثِّيَابُ وَالْوَطْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، لِكُلِّ مَا لَبِسَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلِكُلِّ مَا وَطِئَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ اللِّبْسَ إنَّمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ إنَّمَا كَانَ لَبِسَهُ فَوْرًا وَاحِدًا دَائِمًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا الصَّيْدُ وَالطِّيبُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ الثِّيَابَ يُرِيدُ بِذَلِكَ لُبْسًا وَاحِدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَبِسَ ذَلِكَ أَيَّامًا إذَا كَانَ لُبْسًا وَاحِدًا أَرَادَهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ حِينَ لُبْسِ الثِّيَابِ أَنْ يَلْبَسَهَا إلَى بَرِيِّهِ فَجَعَلَ يَخْلَعُهَا بِاللَّيْلِ وَيَلْبَسُهَا النَّهَارَ حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ مِنْ لِبَاسِهِ ثِيَابَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: وَاَلَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ أَمْرِ الْمُعْتَمِرِ الَّذِي طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَبِسَ الثِّيَابَ لَا يُشْبِهُ هَذَا، لِأَنَّهُ لَبِسَ الثِّيَابَ يُرِيدُ بِذَلِكَ لُبْسًا وَاحِدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي جَعَلْت عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا لَبِسَ الثِّيَابَ لُبْسًا وَاحِدًا جَعَلْت عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، أَهُوَ مِثْلُ الْأَذَى؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَذًى وَلَكِنْ نَوَى أَنْ يَلْبَسَ الثِّيَابَ جَاهِلًا أَوْ جُرْأَةً أَوْ حُمْقًا فِي إحْرَامِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَبِسَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ خَلَعَ بِاللَّيْلِ ثُمَّ لَبِسَ أَيْضًا لَمَّا ذَهَبَ اللَّيْلُ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ الَّتِي نَوَى فِي لِبْسِ الثِّيَابِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الطِّيبَ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَتَعَالَجَ بِدَوَاءٍ فِيهِ الطِّيبُ مَا دَامَ فِي إحْرَامِهِ حَتَّى يَبْرَأَ مَنْ جُرْحِهِ أَوْ قُرْحَتِهِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ عَلَى مَا فَسَّرْت لَك فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ الْفِدْيَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ فِي أُخْتٍ لَهُ أَصَابَتْهَا حُمَّى بِالْجُحْفَةِ، فَعَالَجُوهَا بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ ثُمَّ وُصِفَ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ فَعَالَجُوهَا بِهِ، ثُمَّ وُصِفَ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ فَعَالَجُوهَا بِهِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ فِيهَا طِيبٌ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: فَسَمِعْت مَالِكًا وَهُوَ يَقُولُ: إنْ كَانَ عِلَاجُكُمْ إيَّاهَا أَمْرًا قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَفِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَفْرَدَ بِالْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عِنْدَ مَالِكٍ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ الْمَوَاقِفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ وَقَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ وَالطِّيبَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ إنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَهْدِيَ بَعْدَمَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي لِبْسِ الثِّيَابِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ وَهُوَ حَاجٌّ حَلَّ لَهُ لِبْسُ الثِّيَابِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي لِبْسِ الثِّيَابِ شَيْءٌ، وَهُوَ إذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ رَجَعَ وَعَلَيْهِ الثِّيَابُ حَتَّى يَطُوفَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُعْتَمِرَ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ لِبْسُ الثِّيَابِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ فِيمَا تَطَيَّبَ بِهِ هَذَا الْحَاجُّ هُوَ خَفِيفٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَطَيَّبَ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَفَيَحْلِقُ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حِينَ رَجَعَ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى وَهُوَ يَرْجِعُ حَلَالًا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ بَعْدَ سَعْيِهِ وَيَهْدِيَ، قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ لِمَا أَخَّرَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ وَهُوَ غَيْرُ مُرَاهِقِ دَمٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ دَمٌ لِمَا أَخَّرَ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي طَافَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمُرَاهِقِ، قَالَ وَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ عَلَى هَذَا الْحَاجِّ الْعُمْرَةَ مَعَ الْهَدْيِ، وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ.
فَالْعُمْرَةُ مَعَ الْهَدْيِ تُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَمَّنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
قَالَ: إنْ عَجَّلَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ أَخَّرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا يَأْتُونَ مُرَاهِقِينَ فَيَنْفُذُونَ لِحَجِّهِمْ وَلَا يَطُوفُونَ وَلَا يَسْعَوْنَ، ثُمَّ يَقْدُمُونَ مِنًى وَلَا يُفِيضُونَ مِنْ مِنًى إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَأْتُونَ فَيُنِيخُونَ بِإِبِلِهِمْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَيَدْخُلُونَ فَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَوْنَ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ، فَيُجْزِئُهُمْ طَوَافُهُمْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ مَكَّةَ وَلِإِفَاضَتِهِمْ وَلِوَدَاعِهِمْ الْبَيْتَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِحَجَّةٍ، فَطَافَ فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ سِتَّةَ أَشْوَاطٍ وَنَسِيَ الشَّوْطَ السَّابِعَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَلْيَعُدْ وَلْيَطُفْ الشَّوْطَ الْبَاقِي وَيَرْكَعْ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قَالَ: وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ اسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قُلْت: فَإِنْ هُوَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّوْطَ الَّذِي نَسِيَهُ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إلَّا فِي بِلَادِهِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَفَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ ذَلِكَ الطَّوَافَ النَّاقِصَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سُبُوعًا، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَفْعَلُ كَمَا وَصَفْت لَك قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَ بَعْدَمَا رَجَعَ فَعَلَ كَمَا وَصَفْت لَك قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ التَّزْوِيقَ فِي الْقِبْلَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ يَكْرَهُهُ، وَيَقُولُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّينَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ كَانَ هَمَّ أَنْ يَقْلَعَ التَّذْهِيبَ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ، فَقِيلَ لَهُ إنَّك لَوْ جَمَعْت ذَهَبَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، فَتَرَكَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُصْحَفُ فِي الْقِبْلَةِ لِيُصَلَّى إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ حَيْثُ يُعَلَّقُ فَلَا أَرَى بَأْسًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ لَا يَنْوِي بِطَوَافِهِ هَذَا فَرِيضَةً وَلَا تَطَوُّعًا ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ سَعْيُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ.
قَالَ: فَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ وَتَبَاعَدَ أَوْ جَامَعَ النِّسَاءَ رَأَيْت ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ، وَرَأَيْت عَلَيْهِ الدَّمَ، وَالدَّمُ فِي هَذَا عِنْدِي خَفِيفٌ.
قَالَ: قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَبَاعَدْ رَأَيْت أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قُلْت: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ رَأْيِي، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ.
قَالَ: أَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ بِلَادِهِ فَيَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَافَ تَطَوُّعًا بَعْدَ طَوَافِهِ الَّذِي طَافَهُ لِلْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا أَجْزَأَهُ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؟
قُلْت: وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاجِبٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ بَعْضَ طَوَافِهِ فِي الْحِجْرِ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَوَافٍ فَلْيَرْجِعْ فِي قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مِثْلُ مَنْ لَمْ يَطُفْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ سَأَلْت مَالِكًا عَمَّنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا مَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَحْمُولًا مَنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ طَافَ مَحْمُولًا مِنْ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يُعِيدَ هَذَا الَّذِي طَافَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَحْمُولًا.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ رَأَيْت أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ طَوَافَهُ الْوَاجِبَ فَلَمْ يَسْتَلِمْ الْحَجَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَيَكُونُ لِذَلِكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قُلْت وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.

.الْقِرَاءَةُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ وَالْحَدِيثُ فِي الطَّوَافِ:

قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَكْرَهُ مَالِكٌ الْحَدِيثَ فِي الطَّوَافِ؟
قَالَ: كَانَ يُوَسِّعُ فِي الْأَمْرِ الْخَفِيفِ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ فِي إنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الطَّوَافِ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ، فَكَيْفَ الشِّعْرُ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ.
قُلْت: فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي طَوَافِهِ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يُعْجِبُنِي.
قُلْت: فَمَا يَقُولُ فِيمَنْ كَانَ فِي الطَّوَافِ فَوُضِعَتْ جِنَازَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ طَوَافِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا إلَى الْفَرِيضَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَفِي قَوْلِهِ هَذَا مَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَبْنِي.
وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بَعْضَ طَوَافِهِ فَيَذْكُرُ نَفَقَةً لَهُ قَدْ كَانَ نَسِيَهَا فَيَخْرُجُ فَيَأْخُذُهَا ثُمَّ يَرْجِعُ؟
قَالَ: يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَبْنِي.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ يُؤَخِّرُ الرَّجُلُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ إبَّانِ صَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلْيَرْكَعْهُمَا فِي الْحِلِّ وَتُجْزِئَانِهِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَقَدْ كَانَ طَوَافُهُ هَذَا طَوَافًا وَاجِبًا فَلْيَرْجِعْ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ رَجَعَ فَطَافَ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الطَّوَافِ يُوصَلَانِ بِالطَّوَافِ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ ذَلِكَ فَلْيَرْكَعْهُمَا وَلَا يَرْجِعُ وَلْيُهْدِ هَدْيًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ أَمْ الصَّلَاةُ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَأَمَّا الْغُرَبَاءُ فَالطَّوَافُ أَحَبُّ إلَيَّ لَهُمْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت رَجُلًا طَافَ سُبُوعًا فَلَمْ يَرْكَعْ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى دَخَلَ فِي سُبُوعٍ آخَرَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ الطَّوَافَ الثَّانِيَ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ، قُلْت: فَإِنْ هُوَ لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ، سُبُوعًا تَامًّا مِنْ بَعْدِ سُبُوعِهِ الْأَوَّلِ، أَيُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ أَوْ نَعْلَاهُ؟
قَالَ: لَا لَمْ يَكُنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ، قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ بِالنَّعْلَيْنِ أَوْ الْخُفَّيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَهَلْ يَكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْحِجْرَ بِنَعْلَيْهِ أَوْ خُفَّيْهِ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَصْعَدَ أَحَدٌ مِنْبَرَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ؛ الْإِمَامُ وَغَيْرُ الْإِمَامِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ جَسَدِهِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ أَيُعِيدُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُعِيدَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ فَذَكَرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ أَيَسْتَلِمُهُ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
قَالَ: وَيَسْتَلِمُ وَيَتْرُكُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَهَلْ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْتَلَمَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُكَبِّرُ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ دَخَلَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَنَسِيَ أَنْ يَرْمُلَ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَ، أَيَقْضِي الرَّمَلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْوَاطِ الْبَاقِيَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ طَافَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ فَلَمْ يَرْمُلْ، رَأَيْت أَنْ يُعِيدَ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِنْ تَبَاعَدَ لَمْ أَرَ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الرَّمَلِ شَيْئًا، ثُمَّ خَفَّفَ الرَّمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا.
قُلْت: أَرَأَيْت رَجُلًا نَسِيَ أَنْ يَرْمُلَ حَتَّى طَافَ الثَّلَاثَةَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الشَّوْطِ الرَّابِعِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: يَمْضِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ رَمَلَ الْأَشْوَاطَ السَّبْعَةَ كُلَّهَا أَيَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ بِالْبَيْتِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ طَافَ وَرَاءَ زَمْزَمَ مِنْ زِحَامِ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ يَطُوفُ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامِ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَطُوفُ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ يَطُوفُ فِي الظِّلِّ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا.
قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَأَرَى عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ زِحَامٍ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ رَمَلَ فِي سَعْيِهِ كُلِّهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَخَتَمَ بِالصَّفَا كَيْفَ يَصْنَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَزِيدُ شَوْطًا وَاحِدًا أَوْ يُلْغِي الشَّوْطَ الْأَوَّلَ حَتَّى يَجْعَلَ الصَّفَا أَوَّلًا وَالْمَرْوَةَ آخِرًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، كَيْفَ يَصْنَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَصْنَعُ فِيهِمَا كَمَا يَصْنَعُ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجِّهِ التَّامِّ أَوْ عُمْرَتِهِ التَّامَّةِ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَوْطًا وَاحِدًا فِي حَجٍّ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ عُمْرَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ مِنْ بَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا شَوْطًا وَاحِدًا مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قُلْت لَهُ: هَلْ يُجْزِئُ الْجُنُبَ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَ قَدْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ طَاهِرًا؟
قَالَ: إنْ سَعَى جُنُبًا أَجْزَأَهُ فِي رَأْيِي.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيَصْعَدُ النِّسَاءُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقِفْنَ فِي أَصْلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ أَنْ يَصْعَدُوا عَلَى أَعْلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَوْضِعًا يَرَوْنَ الْبَيْتَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا تَقِفُ النِّسَاءُ فِي الزِّحَامِ فِي أَصْلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَوْ كُنَّ فِي أَيَّامٍ لَا زِحَامَ فِيهَا كَانَ الصُّعُودُ لَهُنَّ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَفْضَلَ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَسْعَى أَحَدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْعَى أَحَدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ، قَالَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا هَلْ كَانَ يَأْمُرُهُ مَالِكٌ بِالْإِعَادَةِ؟
قَالَ: أَرَى إنْ لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ أَنْ يُعِيدَ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ هَلْ تَرَى عَلَيْهِ دَمًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ جَلَسَ بَيْنَ ظَهْرَانِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَنْ غَيْرِ عِلَّةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا خَفِيفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ تَارِكًا لِلسَّعْيِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَلَا يَبْنِيَ.
قُلْت لَهُ: فَإِنْ لَمْ يَرْمُلْ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مَنْ سَعْيِهِ أَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ أَوْ جَلَسَ يَتَحَدَّثُ، أَيَبْنِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟
قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَقِفُ مَعَ أَحَدٍ يُحَدِّثُهُ، قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ خَفِيفًا لَمْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْنِيَ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُهُ الْحَقْنُ أَوْ الْغَائِطُ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: يَذْهَبُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي وَلَا يَسْتَأْنِفُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا طَافَ الْمُعْتَمِرُ بِالْبَيْتِ وَسَعَى وَلَمْ يُقَصِّرْ، قَالَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ لُبْسَ الثِّيَابِ حَتَّى يُقَصِّرَ، فَإِنْ لَبِسَ الثِّيَابَ قَبْلَ أَنْ يُقَصِّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُقَصِّرَ فَأَرَى أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: حَتَّى مَتَى يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَخِّرَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِفَاضَةَ إلَيْهِ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هُوَ أَخَّرَ الْإِفَاضَةَ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَمَا انْصَرَفَ مِنْ مِنًى أَيَّامًا وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَسْعَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ الْهَدْيَ، قُلْت: فَمَا حَدُّ ذَلِكَ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ: إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ، قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا إنْ هُوَ أَخَّرَ الْإِفَاضَةَ حَتَّى يَنْصَرِفَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ التَّعْجِيلَ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ حَاجًّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَاللَّيْلَةَ الْمُقْبِلَةَ فَلَمْ يَبِتْ بِمِنًى وَبَاتَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ غَدَا مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْئًا؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيَرَاهُ قَدْ أَسَاءَ، قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَرَى عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى مَعَ النَّاسِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: كَمَا كَرِهَ أَنْ يَبِيتَ لَيَالِيَ أَيَّامِ مِنًى إذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ فِي غَيْرِ مِنًى؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَعَمْ كَانَ يَكْرَهُهُمَا جَمِيعًا، وَيَرَى أَنْ لَيَالِيَ مِنًى فِي الْكَرَاهِيَةِ أَشَدُّ عِنْدَهُ، وَيَرَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِمِنًى أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَلَا يَرَى فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ دَمًا.
قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ كَانَ يَرَى عَلَى مَنْ بَاتَ فِي غَيْرِ مِنًى لَيَالِي مِنًى الدَّمَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاتَ لَيْلَةً كَامِلَةً فِي غَيْرِ مِنًى أَوْ جُلَّهَا فِي لَيَالِي مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، قُلْت: وَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَبِيتُ النَّاسُ بِمِنًى قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ إنْ تَرَكَ رَجُلٌ الْبَيْتُوتَةَ فِيهَا، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لَهُ تَرْكَ ذَلِكَ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ مَكَانًا مِنْ عَرَفَاتٍ أَوْ مِنًى أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَنْزِلُ فِيهِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَنْزِلُ حَيْثُ أَحَبَّ.
قُلْت لَهُ: مَتَى يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بِعَرَفَةَ أَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامُ أَوْ بَعْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ بَعْدَمَا يَفْرُغُ مِنْ خُطْبَتِهِ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُؤَذِّنِ مَتَى يُؤَذِّنُ يَوْمَ عَرَفَةَ أَبَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ خُطْبَتِهِ أَوْ وَهُوَ يَخْطُبُ؟
قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، قُلْت لَهُ: فَهَلْ سَمِعْتُمْ مِنْهُ يَقُولُ إنَّهُ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْهُ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَا أَظُنُّهُمْ يَفْعَلُونَ هَذَا، وَإِنَّمَا الْأَذَانُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ خُطْبَتِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ وَاسِعٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت الصَّلَاةَ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، أَبِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ أَمْ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ؟
قَالَ: بَلْ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ؛ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ أَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ لِي مَالِكٌ فِي صَلَاةِ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هَذَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إمَامٍ خَرَجَ إلَى جِنَازَةٍ فَحَضَرَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فِي الصَّحْرَاءِ أَتَكْفِيهِ الْإِقَامَةُ؟
قَالَ: بَلْ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ، قَالَ وَلَيْسَ الْأَئِمَّةُ كَغَيْرِهِمْ وَلَوْ كَانُوا لَيْسَ مَعَهُمْ إمَامٌ أَجْزَأَتْهُمْ الْإِقَامَةُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الْإِمَامَ إذَا صَلَّى يَوْمَ عَرَفَةَ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: يُقَدِّمُ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَهَا ثُمَّ يُعِيدُ هُوَ الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْرَ، قُلْت: فَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُنْتَقَضُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَيَخْرُجَ هُوَ فَيُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، قُلْت لَهُ: فَإِنْ ذَكَر صَلَاةً نَسِيَهَا وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ؟
قَالَ: يَنْتَقِضُ بِهِ وَبِهِمْ الْعَصْرُ، وَيَسْتَخْلِفُ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ وَيُصَلِّي هُوَ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا مَا صَلُّوا مَعَهُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَتِهِ مَا يُنْتَقَضُ عَلَيْهِمْ فِي رَأْيِي يُنْتَقَضُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الْإِمَامِ يُصَلِّي جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟
فَقَالَ: إنْ أَتَمَّ بِهِمْ صَلَاتَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ أَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا، وَإِنْ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ قَدَّمَ رَجُلًا فَبَنَى بِهِمْ وَانْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ تُنْتَقَضْ صَلَاتُهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ، فِي هَذَا الَّذِي نَسِيَ إذَا ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُمْ وَصَلَاتُهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِثْلَ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ جُنُبًا، فَذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ أَرَى أَنْ يُعِيدُوا مَا صَلُّوا فِي الْوَقْتِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ سَأَلَنِي رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَقُولُ فِيهَا مَالِكٌ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ مَالِكًا يَرَى أَنْ تُنْتَقَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا تُنْتَقَضُ عَلَيْهِ فَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ لِي كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ مِثْلَ الَّذِي عِنْدِي عَنْهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهَذَا آخِرُ قَوْلِهِ.
قُلْت لَهُ: فَإِذَا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَيَدْفَعُونَ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى عَرَفَاتٍ بِدَفْعِهِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ لِأَنَّ خَلِيفَتَهُ مَوْضِعُهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ دَفَعَ بِالنَّاسِ إلَى عَرَفَةَ وَدَفَعَ النَّاسُ بِدَفْعِهِ.
أَرَأَيْت مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ رَجَعَ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَوَقَفَ بِهَا تَمَّ حَجُّهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَأْتِي مُفَاوِتًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَيَقِفُ بِهَا فَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا، وَالْهَدْيُ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ قَابِلٍ هُوَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ دَفْعِ الْإِمَامِ، أَيُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ مِنْ مَالِكٍ، وَأَرَى ذَلِكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ وَقَدْ حَلَّ لَهُ الدَّفْعُ، وَلَوْ دَفَعَ بِدَفْعِ الْإِمَامِ كَانَتْ السُّنَّةُ وَكَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ فَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى دَفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ وَهُوَ بِحَالِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَتَى الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَيُجْزِئُهُ؟
قَالَ: إنْ أَفَاقَ فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى وَقَفُوا بِهِ بِعَرَفَاتٍ وَأَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ، قُلْت: فَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَأَحْرَمَ فَوَقَفَ أَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَرَّ بِهِ أَصْحَابُهُ بِالْمِيقَاتِ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأَحْرَمُوا عَنْهُ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَمَا جَاوَزُوا بِهِ الْمِيقَاتَ فَأَحْرَمَ حِينَ أَفَاقَ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَصْحَابُهُ أَحْرَمُوا عَنْهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قَرَنُوا عَنْهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَحْرَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَيْسَ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا إحْرَامُهُ هَذَا الَّذِي يَنْوِيهِ هُوَ، قُلْت: أَتَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟
قَالَ: قَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي وُقُوفِهِ جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَهَذَا رَأْيِي.
وَلَأَنْ يَقِفَ طَاهِرًا أَفْضَلُ وَأَحَبُّ إلَيَّ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ.
أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَكُونُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَنَوَى رَفْضَ إحْرَامِهِ، أَيَكُونُ بِنِيَّتِهِ رَافِضًا لِإِحْرَامِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمْ لَا يَكُونُ رَافِضًا بِنِيَّتِهِ، وَهَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ لِمَا نَوَى مِنْ الرَّفْضِ إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رَافِضًا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا رَأَيْت مَالِكًا وَلَا غَيْرَهُ يَعْرِفُ الرَّفْضَ.
قَالَ: وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ تَرَكَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مُتَعَمِّدًا حَتَّى دَفَعَ الْإِمَامُ، أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ قَوْلَهُ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا وَقَدْ أَسَاءَ، قُلْت: وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَجَامَعَ فِيهِمَا فَأَفْسَدَهُمَا أَيَكُونُ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ الْفَاسِدِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُمَا قَابِلًا قَارِنًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ هَدْيَانِ؛ هَدْيٌ لِقِرَانِهِ وَهَدْيٌ لِفَسَادِ حَجِّهِ بِالْجِمَاعِ.
قُلْت: فَإِنْ قَضَاهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ قَضَى الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا وَالْحَجَّةَ وَحْدَهَا، أَيُجْزِئَانِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا وَكَيْفَ يَصْنَعُ بِدَمِ الْقِرَانِ إنْ فَرَّقَهُمَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا تُجْزِئَانِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرِنَ قَابِلًا بَعْدَ هَذَا الَّذِي فَرَّقَ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا قَرَنَ هَدْيَ الْقِرَانِ وَهَدْيَ الْجِمَاعِ الَّذِي أَفْسَدَ بِهِ الْحَجَّ الْأَوَّلَ، سِوَى هَدْيٍ عَلَيْهِ فِي حَجَّتِهِ الْفَاسِدَةِ يَعْمَلُ فِيهَا كَمَا كَانَ يَعْمَلُ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهَا، وَكُلُّ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ أَوْ تَمَتَّعَ بِعُمْرَةٍ إلَى الْحَجِّ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَضَعْ ذَلِكَ عَنْهُ الْهَدْيَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَا فَاسِدَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ جَامَعَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، أَيَكُونُ حَجُّهُ تَامًّا وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ؛ يَنْحَرُ الْهَدْيَ فِيهَا الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، قُلْت لَهُ: وَمَا يُهْدِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَدَنَةً، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟
قَالَ: فَبَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةً مِنْ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَبْعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، قُلْت لَهُ: فَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَجَّةِ؟
قَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ فَرَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى إذَا قَضَى عُمْرَتَهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامٌ مِنْ تَمَتُّعٍ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ: أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ النَّحْرِ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، قُلْت: وَهَلْ لِمَنْ تَرَكَ الصِّيَامَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَصِلُ السَّبْعَةَ بِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} فَإِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى بِلَادِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصِلَ السَّبْعَةَ بِالثَّلَاثَةِ، وَصِيَامُ الْهَدْيِ فِي التَّمَتُّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا لَا يُشْبِهُ صِيَامَ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا لِأَنَّ قَضَاءَهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى، فَإِنَّمَا يَصُومُ إذَا قَضَى وَالْمُتَمَتِّعُ إنَّمَا يَصُومُ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ مَارًّا وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدَمَا دَفَعَ الْإِمَامُ، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَاءَ لَيْلًا وَقَدْ دَفَعَ الْإِمَامُ، أَجْزَأَهُ أَنْ يَقِفَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَمْ نَكْشِفْهُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ هَذَا، وَأَنَا أَرَى إذَا مَرَّ بِعَرَفَةَ مَارًّا يَنْوِي بِمُرُورِهِ بِهَا وُقُوفًا أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ، هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَتَرَكَ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ لِحَجٍّ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَحَجُّهُ تَامٌّ وَقَدْ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُوَسِّعُ لَهُ فِي أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ حَلَالًا وَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْإِحْرَامَ، وَقَدْ أَسَاءَ حِينَ دَخَلَ الْحَرَمَ حَلَالًا مِنْ أَيِّ الْآفَاقِ كَانَ وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، قُلْت: فَهَلْ يَرَى مَالِكٌ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ الْحَرَمَ حَلَالًا حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ هَدْيًا.
قَالَ: كَانَ لَا يَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمْرَةٍ، أَوْ لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَحْرَمَ بِعَرَفَةَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى عَلَى حَجَّتِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْحَجَّةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَتْ لَهُ عُمْرَةٌ وَقَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ أَرْدَفَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى حَجِّهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: قَدْ أَعْلَمْتنَا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْعُمْرَةَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ، أَفَرَأَيْت مَنْ أَحْرَمَ مِنْهُمْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هَلْ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا، وَلَا أَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَمَا يَرْمِي الْجِمَارَ وَيَحِلَّ مِنْ إفَاضَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ وَلَا بِدَابَّتِهِ وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ فَلَا يُصَلِّي إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَاةُ أَمَامَك».
قَالَ: وَمَنْ كَانَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ بِدَابَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمْضِيَ مَعَ النَّاسِ أُمْهِلَ حَتَّى إذَا غَابَ الشَّفَقُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا حَيْثُمَا كَانَ وَقَدْ أَجْزَأَهُ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، أَيُصَلِّي أَمْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ؟
قَالَ: هَذَا مَا لَا أَظُنُّهُ يَكُونُ، قُلْت: مَا يَقُولُ إنْ نَزَلَ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهِ، وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاتَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَتُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ هُنَاكَ إلَى الْعِشَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ النَّحْرِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَرَّ بِالْمُزْدَلِفَةِ مَارًّا وَلَمْ يَنْزِلْ بِهَا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَمَنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَمَا نَزَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَفْعُهُ مِنْهَا فِي وَسَطِ اللَّيْلِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَتَرَكَ الْوُقُوفَ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ وَأَنْ يَقِفَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَدْفَعُ بِدَفْعِ الْإِمَامِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ هَلْ كَانَ يَسْتَحِبُّ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا دَفْعَهُمْ حَتَّى يَكُونَ مَعَ دَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَأَنْ يَقِفُوا مَعَهُ بِالْمَوْقِفِ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا تَقَدَّمُوا وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَتَأَخَّرُوا تَأَخَّرُوا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَقِفْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقَدْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَيَقِفُ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ بِهَا لَيْلًا ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَلَا وُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَتَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلْيَقِفْ إنْ كَانَ لَمْ يُسْفِرْ، ثُمَّ لِيَدْفَعْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ مَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى دَفَعَ الْإِمَامُ مِمَّنْ بَاتَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِمَنْزِلَةِ هَذَا، يَقِفُونَ إنْ أَحَبُّوا بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ: الَّذِي ذَكَرْتُ لَك فِي الَّذِي لَمْ يَبِتْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلَمْ يُدْرِكْ وُقُوفَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا مَرَّ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَلَمْ يَرَ لَهُ مَالِكٌ وُقُوفًا وَاسْتَحْسَنْتُ أَنَا إنْ لَمْ يُسْفِرْ أَنْ يَقِفَ، فَأَمَّا مَنْ بَاتَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ وَلَا يَقِفُ بَعْدَهُ.
قَالَ: وَقُلْنَا لِمَالِكٍ: لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَسْفَرَ بِالْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَدْفَعْ؟
قَالَ: فَلْيَدْفَعُوا وَلْيَتْرُكُوا الْإِمَامَ وَاقِفًا.
قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَقِفَ أَحَدٌ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْإِسْفَارِ، وَيَرَى أَنْ يَدْفَعَ كُلُّ مَنْ كَانَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْإِسْفَارِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَمَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ أَيَكُونُ هَذَا وُقُوفًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَالِكٍ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَمَنْ وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَهُوَ كَمَنْ يَقِفُ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَدْفَعْ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَيَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ حِينَ أَخَّرَ الدَّفْعَ مِنْهَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أُتِيَ بِهِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَيُجْزِئُهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا دَمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ وَقَفُوا بِهِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى دَفَعُوا مِنْهَا وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
قُلْت: مِنْ أَيْنَ كَانَ يَسْتَحِبُّ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ الدَّاخِلُ مَكَّةَ؟
قَالَ: كَانَ يَسْتَحِبُّ مَالِكٌ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ.
قَالَ: قَالَ: وَأَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا مِنْ حَيْثُمَا دَخَلَ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَأْمُرُهُ بِهِ مَالِكٌ؟
قَالَ: لَا لَمْ يَكُنْ يَجِدْ فِي هَذَا شَيْئًا.
قُلْت: فَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
قُلْت: فَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجْزِيهِ، قُلْت: فَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِيمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ؟
قَالَ: يُجْزِئُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ هُوَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَعَادَ ذَبِيحَتَهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ رَمَى قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَعَادَ الرَّمْيَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ حَلَّ النَّحْرُ وَالرَّمْيُ بِمِنًى.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ ضَحْوَةً.
قُلْت: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مَتَى يَذْبَحُونَ ضَحَايَاهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَذَبَحَ، قُلْت: فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ؟
قَالَ: يُعِيدُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: سُنَّةُ ذَبْحِ الْإِمَامِ أَنْ يَذْبَحَ كَبْشَهُ فِي الْمُصَلَّى.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى إلَى اللَّيْلِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ صَفِيَّةَ حِينَ احْتَبَسَتْ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا فَأَتَتْ بَعْدَمَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ رَمَتْ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَهَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَرَى عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ صَفِيَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَرْمِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُرْمَى عَنْهُ: أَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَرَمَى الرَّمْيَ الَّذِي رُمِيَ عَنْهُ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا رَمَى الدَّمَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَرْمِيَ مَا رُمِيَ عَنْهُ إذَا صَحَّ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟
قَالَ: نَعَمْ قُلْت: حَتَّى مَتَى يُؤَقِّتُ مَالِكٌ لِهَذَا الْمَرِيضِ إذَا صَحَّ أَنْ يُعِيدَ الرَّمْيَ؟
قَالَ: إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ تَرَكَ بَعْضَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ تَرَكَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْمِي مَا تَرَكَ مِنْ رَمْيِهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ جَمِيعَ الرَّمْيِ، وَلَكِنْ يَرْمِي مَا نَسِيَ مِنْ عَدَدِ الْحَصَا، قُلْت: فَعَلَيْهِ فِي هَذَا دَمٌ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي هَذَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ، قُلْت: فَيَرْمِي لَيْلًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا الَّذِي تَرَكَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ كُلَّهَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَرْمِيهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَيْلًا، قُلْت: فَيَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَرَّةً لَا يَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، قُلْت: فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةٍ مِنْ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ مَرَّةً يَقُولُ مَنْ نَسِيَ رَمْي الْجِمَارِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلْيَرْمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَرَّةً قَالَ لِي يَرْمِي وَعَلَيْهِ دَمٌ.
قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الدَّمُ، قُلْت: وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ الْجِمَارِ أَوْ جَمْرَةً فَصَاعِدًا أَوْ الْجِمَارَ كُلَّهَا حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ مِنًى.
قَالَ: أَمَّا فِي حَصَاةٍ فَلْيُهْرِقْ دَمًا، وَأَمَّا فِي جَمْرَةٍ أَوْ الْجِمَارِ كُلِّهَا فَبَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا رَمْيَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَةَ خَمْسًا خَمْسًا كَيْفَ يَصْنَعُ إنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهِ؟
قَالَ: يَرْمِي الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِحَصَاتَيْنِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِيهَا بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، قُلْت: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ رَمَى مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْغَدِ أَيَرْمِي الْأُولَى بِحَصَاتَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي وَقَدْ أَخْبَرْتُك بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ رَمَى مِنْ الْغَدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِالْأَمْسِ؟
قَالَ: يَرْمِي الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِالْأَمْسِ بِالْحَصَاةِ الَّتِي نَسِيَهَا، ثُمَّ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى لِيَوْمِهِ الذَّاهِبِ بِالْأَمْسِ بِسَبْعٍ، ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ ثُمَّ يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنْ وَقْتِ يَوْمِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْأَمْسِ.
قَالَ: فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ نَسِيَهَا بِالْأَمْسِ ثُمَّ الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ لِلْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ فِيهِ الْحَصَاةَ مِنْ الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، وَلَا يُعِيدُ الرَّمْيَ لِلْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، وَعَلَيْهِ لِلْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ فِيهِ الْحَصَاةَ مِنْ الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ الدَّمُ؟
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَصَاةَ الَّتِي نَسِيَ إلَّا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَذَلِكَ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، أَعَادَ رَمْيَ الْحَصَاةِ الَّتِي نَسِيَ وَأَعَادَ رَمْيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْوُسْطَى الَّتِي بَعْدَهَا وَالْعَقَبَةَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَعَادَ رَمْيَ يَوْمِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ فِي يَوْمِهِ، وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ الْيَوْمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ وَقْتَ رَمْيِهِ قَدْ مَضَى.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ فَوْقِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ تَفْسِيرُ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ.
قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ أَسْفَلِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِهَا أَجْزَأَهُ.
قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَرْمِي بِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يُوَالِي بَيْنَ الرَّمْيِ حَصَاةً بَعْدَ حَصَاةٍ وَلَا يَنْتَظِرُ بَيْنَ كُلِّ حَصَاتَيْنِ شَيْئًا؟
قَالَ: نَعَمْ يَرْمِي رَمْيًا يَتْرَى بَعْضُهُ خَلْفَ بَعْضٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً، قُلْت: فَإِنْ رَمَى وَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ أَيُجْزِئُهُ الرَّمْيُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَهُوَ يُجْزِئُ عَنْهُ.
قُلْت: فَإِنْ سَبَّحَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَالسُّنَّةُ التَّكْبِيرُ.
قُلْت: مِنْ أَيْنَ يَرْمِي الْجَمْرَتَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَرْمِي الْجَمْرَتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ فَوْقِهَا وَالْعَقَبَةَ مِنْ أَسْفَلِهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جَمِيعًا فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، قُلْت: فَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْمِي سِتَّ حَصَيَاتٍ بَعْدَ رَمْيِهِ هَذَا.
وَتَكُون تِلْكَ الْحَصَيَاتُ الَّتِي رَمَاهُنَّ جَمِيعًا مَوْقِعَ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيَّتُهُنَّ تَرَكَ الْحَصَاةَ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ مَرَّةً: إنَّهُ يُعِيدُ عَلَى الْأُولَى حَصَاةً ثُمَّ عَلَى الْجَمْرَتَيْنِ جَمِيعًا الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ سَبْعًا سَبْعًا.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهَا فَقَالَ: يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى كُلِّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ سَبْعٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ إنَّهُ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْحَصَاةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ جَمْرَةٍ جَعَلْنَاهَا كَأَنَّهُ نَسِيَهَا مِنْ الْأُولَى فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلِهِ إلَيَّ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَضَعَ الْحَصَاةَ وَضْعًا أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، قُلْت: فَإِنْ طَرَحَهَا طَرْحًا؟
قَالَ: كَذَلِكَ أَيْضًا لَا أَحْفَظُهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَا أَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ.
قُلْت: فَإِنْ رَمَى فَسَقَطَتْ حَصَاةٌ فِي مَحْمَلِ رَجُلٍ أَوْ حِجْرِهِ فَنَفَضَهَا الرَّجُلُ فَسَقَطَتْ فِي الْجَمْرَةِ؟ أَوْ لَمَّا وَقَعَتْ فِي الْمَحْمَلِ أَوْ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ طَارَتْ فَوَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ؟
قَالَ: إنَّمَا سَأَلْنَا مَالِكًا فَقُلْنَا: الرَّجُلُ يَرْمِي الْحَصَاةَ فَتَقَعُ فِي الْمَحْمَلِ؟
قَالَ: يُعِيدُ تِلْكَ الْحَصَاةَ، قُلْت: فَإِنْ رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ قُرْبَ الْجَمْرَةِ؟
قَالَ: إنْ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ حَصَى الْجَمْرَةِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرَّأْسَ أَجْزَأَهُ.
قُلْت: وَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا قَوْلُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى مَنْ رَمَى فَأَصَابَتْ حَصَاتُهُ الْمَحْمَلَ ثُمَّ مَضَتْ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ، إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَلَا تُشْبِهُ عِنْدِي الَّتِي تَقَعُ فِي الْمَحْمَلِ ثُمَّ يَنْفُضُهَا صَاحِبُ الْمَحْمَلِ، فَإِنَّ تِلْكَ لَا تُجْزِئُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ نَفِدَ حَصَاهُ فَأَخَذَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مَنْ حَصَى الْجَمْرَةِ مِمَّا قَدْ رَمَى بِهِ فَرَمَى بِهَا هَلْ تُجْزِئُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُجْزِئُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَى الْجِمَارِ لِأَنَّهُ قَدْ رَمَى بِهِ مَرَّةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَنَزَلَتْ بِي فَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَك، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ سَقَطَتْ مِنِّي حَصَاةٌ فَلَمْ أَعْرِفْهَا، فَأَخَذْتُ حَصَاةً مِنْ حَصَى الْجِمَارِ فَرَمَيْتُ بِهَا فَسَأَلْتُ مَالِكًا فَقَالَ: إنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَاةٍ قَدْ رُمِيَ بِهَا مَرَّةً.
قَالَ: فَقُلْت لَهُ: قَدْ فَعَلْتُ فَهَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْك فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتُ إنْ لَمْ يَقُمْ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ هَلْ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَسْتُ أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالْمُقَامِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ هُنَاكَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ بَعْدَمَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ أَيُجْزِئُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ، مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَلْيُعِدْ الرَّمْيَ وَلَا رَمْيَ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت حَصَى الْجِمَارِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِثْلَ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ قَلِيلًا، قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يُؤْخَذُ الْحَصَى مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ خُذْ مِنْ حَيْثُ شِئْت.
قُلْت: فَهَلْ يَرْمِي الْجِمَارَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الشَّأْنُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا يَأْتِي عَلَى دَابَّتِهِ يَمْضِي كَمَا هُوَ يَرْمِي، وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ يَقُولُ يَرْمِي مَاشِيًا.
قُلْتُ: فَإِنْ رَكِبَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ مَشَى يَوْمَ النَّحْرِ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا مَاشِيًا هَلْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْءٌ.
قُلْتُ: وَكَيْفَ يَصْنَعُ الْمَرِيضُ فِي الرَّمْيِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُسْتَطَاعُ حَمْلُهُ وَيُطِيقُ الرَّمْيَ وَيَجِدُ مَنْ يَحْمِلُهُ فَلْيُحْمَلْ حَتَّى يَأْتِيَ الْجَمْرَةَ فَيَرْمِيَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُسْتَطَاعُ حَمْلُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ رُمِيَ عَنْهُ، وَلْيَتَحَرَّ حِينَ رَمْيِهِمْ فَيُكَبِّرْ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ؛ لِكُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ وَإِنَّمَا رُمِيَ عَنْهُ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّهُ صَحَّ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، أَيَرْمِي مَا رُمِيَ عَنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: نَعَمْ، قُلْت: وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الدَّمُ كَمَا هُوَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانُوا رَمَوْا عَنْهُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا، ثُمَّ صَحَّ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَرَمَى، أَعَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْهَدْيُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي وَقْتِ الرَّمْيِ وَرَمَى عَنْ نَفْسِهِ فِي وَقْتِ الرَّمْيِ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَصِحُّ لَيْلًا؟
قَالَ: يَرْمِي مَا رُمِيَ عَنْهُ لَيْلًا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ وَقْتَ رَمْيِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَدْ ذَهَبَ.
قُلْت: أَرَأَيْت الصَّبِيَّ أَيُرْمَى عَنْهُ الْجِمَارُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَيْسَ مِثْلُهُ يَرْمِي فَإِنَّهُ يُرْمَى عَنْهُ.
قَالَ: وَأَمَّا الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ عَرَفَ الرَّمْيَ فَإِنَّهُ يَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ، قُلْت: فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي يَقْوَى عَلَى الرَّمْيِ أَوْ تَرَكُوا أَنْ يَرْمُوا عَنْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ، أَعَلَيْهِمْ الدَّمُ لَهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ رَمَى عَنْ صَبِيٍّ لَمْ يَرْمِ عَنْهُ مَعَ رَمْيِهِ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ كُلَّهَا عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَرْمِيَ عَنْ الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ لَا يَطُوفُ بِهِ حَتَّى يَطُوفَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَطُوفَ بِالصَّبِيِّ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الصَّبِيِّ إذَا أُحْرِمَ بِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْتَنَبُ بِهِ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الدَّوَاءِ أَوْ الطِّيبِ صَنَعَ ذَلِكَ بِهِ وَفَدَى عَنْهُ.
قَالَ: وَيُطَافُ بِالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى الطَّوَافِ مَحْمُولًا وَيُسْعَى بِهِ، وَلَا تُصَلَّى عَنْهُ رَكْعَتَا الطَّوَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ يَسْعَى الَّذِي يَطُوفُ بِالصَّبِيِّ فِي الْمَسِيلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ بِالْبَيْتِ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ إذَا طَافُوا بِهِ وَسَعَوْا بِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ وَالصَّبِيُّ مَعَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَعْيًا وَاحِدًا، يَحْمِلُهُ فِي ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُمَا جَمِيعًا.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَ الصَّبِيُّ صَيْدًا أَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَالِدُهُ، أَمْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الدَّمِ فِي الْحَجِّ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَاَلَّذِي أَسْتَحِبُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَالِدِهِ لِأَنَّ وَالِدَهُ هُوَ الَّذِي أَحَجَّهُ فَلَزِمَ الصَّبِيَّ الْإِحْرَامُ بِفِعْلِ الْوَالِدِ، فَعَلَى الْوَالِدِ مَا يُصِيبُ هَذَا الصَّبِيُّ فِي حَجِّهِ.
قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْوَالِدِ ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الْبُلُوغِ بَطَلَ كُلُّ مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ فِي حَجَّتِهِ وَهَذَا لَا يَحْسُنُ.
قُلْت: فَهَلْ يَصُومُ الْوَالِدُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ عَنْ الصَّبِيِّ؟
قَالَ: لَا، قُلْت: فَيُطْعِمُ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَوْ يُهْدِيَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمَجْنُونَ إذَا أَحَجَّهُ وَالِدُهُ أَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَرَأَيْت الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْمَرِيضِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمَرِيضَ هَلْ يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ فَيَرْمِي عَنْهُ هَذَا الَّذِي رَمَى فِي كَفِّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ وَصَفَ لَنَا كَيْفَ يُرْمَى عَنْ الْمَرِيضِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا هَذَا.
قُلْت: فَهَلْ يَقِفْ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الَّذِي يَرْمِي عَنْ الْمَرِيضِ يَقِفُ عَنْ الْمَرِيضِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَقِفَ الَّذِي يَرْمِي عَنْ الْمَرِيضِ فِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، قُلْت: فَهَلْ يَتَحَيَّنُ هَذَا الْمَرِيضُ حَالَ وُقُوفِهِمْ عَنْهُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فَيَدْعُو كَمَا يَتَحَيَّنُ حَالَ رَمْيِهِمْ عَنْهُ فَيُكَبِّرُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ مِثْلُ التَّكْبِيرِ فِي رَمْيِهِمْ عَنْهُ عِنْدَ الْجِمَارِ يَتَحَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْوُقُوفِ فَيَدْعُو.
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ إذَا قَصَّرَ أَيَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ أَمْ يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ؟
قَالَ: يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ كُلِّهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جَمِيعِهِ.
قُلْت: فَإِنْ جَامَعَ فِي عُمْرَتِهِ بَعْدَمَا أَخَذَ بَعْضَ شَعْرِهِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ أَيَكُونُ عَلَيْهِ؟ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَكُونُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قُلْت: وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ النِّسَاءَ وَلَمْ يُقَصِّرْ مَنْ شَعْرِهِ فِي عُمْرَتِهِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ فَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ.